أخبار الساعة » دراسات ومتابعات » دراسات وتقارير

تقرير اخباري: رمضان في اليمن: الأزمة تختطف مظاهر الابتهاج التقليدية

- صنعاء - عادل الصلوي
 

سجل المشهد الشعبي في اليمن تراجعاً لافتاً للمظاهر الاحتفائية التقليدية التي عادة ما يستقبل بها اليمنيون شهر رمضان المبارك، الذي يتزامن توقيت حلوله هذا العام مع ظروف تعقيدات سياسية واقتصادية استثنائية فرضتها تداعيات أزمة سياسية عاصفة هي الأشد من نوعها تشهدها البلاد منذ ما يزيد على ستة أشهر .


انحسار مشاهد وطقوس الاحتفاء الشعبي والاستعدادات السنوية المبكرة التي اعتاد اليمنيون أن يواكبوا من خلالها كل عام حلول شهر رمضان المبارك، وإن فرضه التفاقم غير المسبوق، للأوضاع الاقتصادية والمعيشية والأزمات التموينية بالترافق مع الارتفاع القياسي لأسعار المواد الغذائية والاستهلاكية التي يستلزمها الشهر الكريم، وتراجع القدرات الشرائية المحدودة للأسر اليمنية، إلا أن تصاعد تداعيات الأزمة السياسية القائمة وارتفاع سقف المخاوف من انفجار محتمل لبالونة الاحتراب الأهلي أسهم إلى حد كبير في اختطاف مظاهر الابتهاج العام باقتراب حلول الشهر الكريم من المنازل والأسواق والشوارع، واستبدالها بمظاهر مضادة وقاتمة من التصعيد المسلح ومشاهد انتشار العسكر ومسلحي القبائل وخارطة الخنادق والمتاريس والسواتر الترابية التي أضحت جزءاً من يوميات العاصمة والمدن الرئيسة الأخرى .


واعتبر ناصر أحمد علي الزبيدي (54 عاماً)، الذي يعمل موظفا في إحدى المصالح الحكومية بصنعاء ويعول أسرة تتألف من 12 شخصا في تصريح ل “الخليج”، أن ثمة أولويات غير اعتيادية وطارئة فرضتها تداعيات الأزمة السياسية المتصاعدة في البلاد على الأسرة اليمنية البسيطة ومحدودة الدخل تتجاوز في إلحاحاتها هموما أخرى من قبيل توفير المستلزمات المكلفة والضرورية التي يستدعيها الاستعداد لصوم شهر رمضان . وقال: “لا أشعر بالأمان على نفسي أو أسرتي الكبيرة وأنا اسكن بالعاصمة صنعاء، فتوفير مستلزمات شهر رمضان تحول هذا العام بسبب هؤلاء العابثين بحياتنا والمتصارعين على السلطة إلى “ترف” يستدعي استقراراً نفسياً مفتقداً بعد أن كان وإلى ما قبل عام يمثل أولوية أسرية نلبي استحقاقاتها بمتعة . ويضيف قائلاً: “كل شيء في المدينة معبأ لحرب محتملة ووشيكة، حتى مزاج الناس أو من تبقى منهم ولم يغادر إلى القرى مشدود ومتوتر إلى أقصى درجاته” .


“تسييس” مظاهر الحياة العامة في العاصمة صنعاء وغيرها من المدن كنتاج لتداعيات أزمة سياسية مستعصية ومزمنة وهيمنة تفاعلات الصراع بين النظام والقوى الثورية الناشئة والمناوئة على واجهة المشهد الشعبي في البلاد، تسبب في انحسار لافت للمساحات الإعلانية التجارية في الشوارع والميادين العامة التي عادة ما كانت تواكب من خلالها الشركات والمصانع المتخصصة في إنتاج وصناعة الأغذية ومحال ومعارض بيع المواد التموينية مع اقتراب حلول شهر رمضان لتطرح عروضاً تنافسية تقدم خيارات تسوق معقولة الكلفة للأسر محدودة الدخل لتكتظ ذات الشوارع والميادين العامة وحتى واجهات السيارات الزجاجية بمساحات إعلانية وعروض تنافسية مغايرة تتبارز فيها أطراف الأزمة السياسية القائمة في جذب الانتباه واستقطاب تعاطف أنصار محتملين لدعم “الشرعية الدستورية”، في إشارة إلى السلطة أو “الشرعية الثورية” إلى المطالبين بإسقاط النظام .


ويشير طلال مهيوب علي الفارعي، الذي يمتلك معملاً فنياً لتصميم الإعلانات التجارية بشارع الزبيري بصنعاء إلى أن ثمة تراجعاً غير مسبوق طرأ هذا العام في مستوى إقبال الشركات والمؤسسات والمصانع المتخصصة في إنتاج وصناعة الأغذية على تأمين إعداد مستلزمات الحملات الدعائية التجارية الموسمية الخاصة بعروض أسعار السلع التموينية الرمضانية والتي عادة ما تدشن قبيل حلول شهر رمضان بأيام قليلة لاعتبارات تتعلق بالأجواء العامة والمتأزمة التي تمر بها البلاد . وقال ل “الخليج”: “من المؤكد أن الناس لن تتوقف عن الأكل والشرب لمجرد أن البلد في أزمة سياسية، لكن الشوارع لم يعد فيها فعلياً متسع لمساحات إعلانية جاذبة بعد أن غطتها صور الرئيس وشهداء الثورة ولافتات “ارحل” و”لن يرحل” .


التراجع الحاد في المظاهر الاحتفائية بحلول شهر رمضان لم تتوقف عند مجرد الإحجام النسبي من قبل جمهور المستهلكين على ارتياد الأسواق والمحال والمعارض المتخصصة في بيع السلع التموينية الرمضانية لتوفير مستلزمات الشهر الكريم وإنما في انحسار مساحات التسوق المتاحة نفسها داخل العاصمة لأسباب تتعلق بتداعيات الحرب الأخيرة بين أتباع الشيخ الأحمر والقوات الحكومية الموالية للنظام التي شهدتها أجزاء متفرقة من صنعاء وأدت إلى تدمير “سوق الحصبة المركزي”، أحد أكبر الأسواق العامة بصنعاء وإغلاق العديد من المحال والمعارض الكبرى المتخصصة في بيع المواد التموينية أبوابها وتعليق أنشطتها التجارية اليومية تحسبا لتجدد الحرب، إلى جانب تمدد وتوسع مخيم الاعتصام الاحتجاجي إلى العديد من الشوارع المقابلة والمتاخمة لساحة التغيير بصنعاء وهو ما تسبب في إغلاق مماثل للعديد من كبريات معارض التسوق العام أبوابها .

Total time: 0.2664