أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

لإمارات في اليمن والأدوار المثيرة للجدل

- ميساء شجاع الدين

تلعب الإمارات في اليمن أدواراً متعددة ومثيرة للجدل، فهي أخيراً طلبت من أمريكا السماح لقواتها بالمشاركة في مكافحة الإرهاب باليمن، وبالفعل شاركت القوات الإماراتية في العملية العسكرية ضد تنظيم القاعدة في المكلا بمحافظة حضرموت. وإذا كان مفهوم وجود قوات إماراتية في مكافحة الإرهاب بحضرموت، فما الذي تفعله هذه القوات في جزيرة سقطرى التي لايوجد فيها القاعدة والمعزولة عن اضطرابات اليمن السياسية؟

الإمارات المعروفة بإقتصادها الثري بسبب قدراتها الاستثمارية لا يمكن لها أن تتدخل في بلد بدون طموحات استثمارية. يفيد أحد ابناء جزيرة سقطرى، محمية طبيعية واكبر الجزر الموجودة في الوطن العربي ، إن الإماراتيين اشتروا معظم أراضي الساحل وغير معروف ما الذي يريدونه بالضبط خاصة إن الاستثمار في الجزيرة يفترض إنه محدد بمعايير بيئية صارمة وغير مسموح بمشاريع سياحية اعتيادية. ويضيف قائلاً: الإماراتيون مشاريعهم عشوائية وغير معروفة اهدافهم، فهم يقيمون مشاريع ضخمة بلا جدوى مثل توزيع مولدات كهربائية ضخمة على القرى لكنها تعطلت بسبب غياب الصيانة، وهو وجود سابق للوقت الحالي حيث بنيت مستشفى ضخم قبل ست أعوام لكنه بلا كادر طبي حتى الآن.

إذا تحدثنا عن الدافع الاستثماري فلا يمكن اغفال حقيقة إن الإمارات كانت حاضرة في الجنوب قبل تدخلها العسكري الأخير من خلال كسبها لمناقصة إدارة ميناء عدن عام 2008م، وعارضها الحراك الجنوبي واحزاب المعارضة بحجة إن المناقصة كان فيها فساد وإن العرض الإماراتي لم يكن أفضل خاصة إن ميناء عدن ضمن مجال المنافسة مع ميناء دبي وليس من مصلحتها تطويره مما قد يقلل من أهمية ميناء دبي. في المقابل قال محافظ عدن السابق يحيى الشعيبي: الإمارات كانت تطمح للإستفادة من ميناء عدن لأنه أعمق بكثير من ميناء دبي وبالتالي يستطيع استقبال الحاويات والسفن الضخمة، وبالتالي نقل الاستثمارات الصناعية في دبي لعدن لكي تستقبل أيضاً العمالة ذات الكلفة الرخيصة بينما يظل نشاط دبي مقتصر على الإعلام والسياحة .

على أي حال نجحت الحملة المعارضة وحققت هدفها، وألغت الحكومة تعاقد شركة موانيء دبي العالمية ودفعت غرامة العقد 35 مليون دولار بحجة عدم إيفاء الشركة بتعهداتها في رفع الكلفة الاستيعابية للحاويات. لتعود الإمارات مجدداً للعمل في ميناء عدن في اكتوبر 2015، بدون تعاقد مع الحكومة اليمنية أو غيره بل بحكم قوة الأمر الواقع للإمارات التي تتواجد قواتها بكثافة بمدينة عدن.

تدخلت الإمارات عسكرياً ضمن التحالف الذي تقوده السعودية بحجة اعادة الحكومة الشرعية لليمن، وهذا كلفها العشرات من جنودها في عمليات نوعية بالصواريخ ضربت معسكراتهم في محافظة مأرب الشمالية ، لكنها انسحبت مؤخراً من محافظة مأرب واكتفت بتواجدها في الجنوب.

المزاج الإماراتي يميل اكثر لتقسيم اليمن ولو فيدرالية من إقليمين مع انشغال حقيقي بالجنوب. فالإمارات استضافت عدة اجتماعات للقيادات الجنوبية، ويقيم فيها القيادي الجنوبي الأهم وأول نائب رئيس دولة يمنية موحدة وهو علي سالم البيض. والأبرز هو تعيين محافظ مدينة عدن عيدروس الزبيدي ومدير الأمن شلال شايع بتدخل إماراتي واضح حيث كان كلاهما في الإمارات قبل قرار تعيينهما بأيام قليلة، وكان قرار تعيينهما مترافق مع قرار تعيين سفير يمني لدولة الإمارات.

مشكلة التدخل الإماراتي السياسي ليس فقط في تصوراته الجزئية عن اليمن وغياب الخبرة بل في طبيعته التي تعكس طبيعة النظام الإماراتي الاستبدادية والأمنية، فهو تدخل يستهدف تمكين اطراف واقصاء أخرى. مثلاً تشن الإمارات حملات واسعة ضد حزب الإصلاح وربطه بداعش والقاعدة، وحزب الإصلاح موجود بكثافة في الجنوب ويمثل تيار سياسي- ديني معتدل ومدمج بالعملية السياسية والاصرار على اقصاءه في بيئة مسلحة وفوضوية باليمن مع دعم الجماعات السلفية في المقابل، وهي جماعات غير منضبطة واكثر ارتباطاً بالجماعات الدينية المتطرفة ومخترقة من اطراف عدة مما يقوض فرضية خشية الإمارات من ارتباط الاصلاح بداعش أو اضعاف الجماعات الدينية.

لا يمكن انكار إن الإمارات اصدرت فيتو معارض لحسم معركة تعز المحاصرة بسبب مخاوفها من الوجود الاخواني في مقاومة مدينة تعز حيث دعمت هناك الجماعة السلفية بزعامة ابي العباس في قتال الاخوان وليس فقط الحوثيين في تعز، إذن اولويات الإمارات في التدخل باليمن لا يتصدره الحوثي تماماً بل جماعة الإخوان بدرجة اساسية. هذا قد يكون مرتبط من طبيعة مخاوف الإمارات التقليدية من الإخوان خاصة إنها جماعة دينية اكثر تسيساً من السلفيين.

التناقض احد طبائع سياسة الإمارات باليمن فهي جاءت لقتال الحوثيين من جهة لكنها منشغلة في الصراع ضد احد اطراف جبهة المقاومة في الداخل اليمني وهو الإصلاح، ليس هذا فقط بل إنها على علاقة جيدة مع حليف الحوثي صالح. فبحكم دعمها المكشوف للثورات المضادة، استقبلت الإمارات أحمد علي ابن الرئيس السابق علي عبدالله صالح سفيراً بعد عزله من منصبه العسكري حتى تم عزله من قبل الرئيس هادي مع بدء الضربات الجوية للتحالف في مارس 2015م. لايزال أحمد علي مقيماً في الإمارات، ولا تزال أرصدة والده في بنوكها حيث لم يتعرض الرئيس السابق أبداً للإمارات رغم هجومه الدائم لتدخل السعودية العسكري. في اتجاه معاكس آخر حاولت الإمارات دعم شق حزب المؤتمر الشعبي العام وهو الحزب الحاكم، لكي يصبح غير تابع للرئيس السابق علي صالح للاستفادة من امكانات الحزب لمواجهة حزب الإصلاح والحوثي.

كما لعبت الإمارات دوراً حيوياً في تعميق الانقسام الذي كان قائم بين الرئيس عبدربه منصورهادي ونائبه ورئيس الوزراء السابق خالد بحاح، حيث كانت الإمارات مندفعه في دعم بحاح ودفعه ليحل محل هادي بينما ظلت السعودية متمسكة بظاهر الشرعية. بالطبع تزايد عداء الإمارات لهادي بعد قراره المنفرد في عزل بحاح. دعم الإمارات لبحاح كان مفهوم، فدعم التكنوقراط وليس السياسيين هي سياسة إماراتية بإمتياز في البلد التي يرتكز نجاحها على مشاريع اقتصادية ضخمة مدعومة بأمن قوي مع صفر سياسة.

ربما اخطر ما تورطت به الإمارات في اليمن حتى الآن هو تواجد شلال شايع مدير الأمن في الإمارات اثناء اصداره لقراره المثير الجدل بترحيل من لا يمتلكون بطاقة هوية في عدن، وهذا يعني رضاها أو ربما اشارة منها في شن حملة طرد وترحيل استهدفت حاملي البطاقات الصادرة من محافظات شمالية. بالطبع طرد مواطنين يمنيين من عاصمة اليمن المؤقتة لا يمكن تبريره بعدم وجود بطاقة هوية، على فرض مصداقية الادعاء الذي لا يستند على أي قانون ولا يمكن اعتباره اجراء أمني، وواقع الحال يقول إنه اجراءاً عنصرياً خالصاً ضد الشماليين . إذن تلعب الإمارات أدواراً تفكيكية في اليمن ليس فقط تفكيك سياسي بل اجتماعي في بلد لم يكن دوماً موحد سياسياً لكنه متداخل اجتماعياً، فمثلاً نصف سكان عدن تعود أًصولهم للشمال.

تتدخل الإمارات في اليمن بخفة وحماس شديدين تليق بمن لا يمتلك خبرة سياسية اضافة لخلفية النظام الاستبداية وتصوراته الوهمية باحتمالية تكرار تجربة دبي في الجنوب، استثمار ومشاريع اقتصادية بدون سياسة، مع استعداء للديمقراطية التي قد تستوعب مختلف الفصائل الاجتماعية والسياسية مما سوف يجلب كوارث كبيرة في بيئة غارقة بالإنقسام والفوضى والسلاح.

 

Total time: 0.0507