أخبار الساعة » السياسية » اخبار اليمن

القاعدة في اليمن أشد خطورة بعد الوحيشي..

- متابعة

تلقى تنظيم القاعدة المركزي خسارة كبيرة بمقتل زعيم القاعدة في جزيرة العرب أبو بصير ناصر الوحيشي، وعلى الرغم من خسارة تنظيم القاعدة لعدد من قياداته خلال السنوات الماضية، إلا أن خسارة الوحيشي هي الضربة الأشد والأخطر بعد اغتيال مؤسس القاعدة أسامة بن لادن في 2 أيار/  مايو 2011، فقد كان الوحيشي المرشح الأبرز لخلافة زعيم القاعدة الحالي أيمن الظواهري، والرجل الأشد إخلاصا لنهج تنظيم القاعدة وتتبعا لخطى بن لادن.
 
لكن خسارة الوحيشي لن تؤثر على قوة الفرع اليمني السعودي الأكثر خطورة على الولايات المتحدة والمصالح الغربية، والأشد مرونة وابتكارا بين فروع القاعدة، بل سوف تصبح القاعدة في اليمن أكثر خطورة في عصر القائد الجديد أبو هريرة قاسم الريمي.
 
تزامنت عملية اغتيال الوحيشي في  مع الكشف عن مجموعة من العملاء داخل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، والتي أسفرت عن سلسلة من الاغتيالات لكبار قادة التنظيم في اليمن، والتي تم تنفيذها بواسطة طائرات أمريكية بدون طيار، وكانت طائرة أمريكية بدون طيار قد استهدفت الوحيشي في مدينة المكلا بمحافظة حضرموت في 9 حزيران/ يونيو 2015.
 
وأعلن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب  عن مقتله في 16 حزيران/ يونيو 2015، من خلال بيان جاء فيه: "ننعي إلى أمتنا المسلمة الشيخ .. أبا بصير ناصر عبد الكريم الوحيشي، الذي قضى نحبه إثر غارة أمريكية استهدفته مع اثنين من اخوانه المجاهدين"، وتم تعيين القائد العسكري للتنظيم قاسم الريمي خلفا للوحيشي، حيث جاء في البيان "على اثر هذا الحدث (مقتل الوحيشي) وبالرغم من انشغالنا في القتال ضد الحوثيين وانصار المخلوع (الرئيس السابق علي عبدالله صالح) في أكثر من 11 جبهة في مختلف أنحاء اليمن، وبالرغم من الظروف الأمنية القائمة، إلا أن الله يسر … اجتماع أكبر عدد ممكن من أهل الشورى في الجماعة وتم الاتفاق على أن خير خلف لخير سلف هو الشيخ الفضل أبو هريرة قاسم الريمي حفظه الله".  
 
يشير تعيين القائد العسكري الريمي زعيما لتنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب خلفا للوحيشي إلى أولويات التنظيم وتحولاته خلال المرحلة القادمة، وهي تعبر عن التحديات المستجدة في اليمن وتطور الأوضاع السياسية والعسكرية والأمنية، فاستثمار تنظيم القاعدة لحالة الفوضى وعدم الاستقرار لتمكين سيطرته وتثبيت نفوذه، تطلبت من القاعدة إعادة التموضع وبناء خطة للتمدد والانتشار..
 
ففي 2 نيسان/ إيريل دخل التنظيم مدينة المكلا عاصمة حضرموت وسيطر بسهولة فائقة ودون مقاومة على الأحياء الرئيسية وتمكن من تحرير 300 معتقل نصفهم من التنظيم وفي مقدمتهم القيادي خالد باطرفي، إلا أن النهج الجديد الذي يتقاطع مع نهج تنظيم الدولة الإسلامية باعتماد السيطرة المكانية وعدم الاكتفاء بالهجمات النكائية، كشف عن عيوب كبيرة في البنية الهيكلية التنظيمية على الصعيد الأمني الاستخباري وسهولة الاختراق، كما حدث سابقا مع تجربة جماعة "أنصار الشريعة" وهي أحد ابتكارات قاعدة اليمن بعد ثورات الربيع العربي..
 
فقد سيطرت الجماعة على محافظات أبين وشبوة وأعلنت عن تأسيس "إمارات" في مناطق عديدة وتمكنت خلال فترة وجيزة من السيطرة على عدد من المحافظات وأصبحت لاعباً محلياً رئيسياً في جنوب اليمن بعد أن استولت على أجزاء من المحافظات اليمنية الجنوبية - أبين وشبوة - في أواخر ربيع 2011، ولم تتخل عن إمارتها في حزيران/ يونيو 2012 إلا بعد هجوم مضاد شنته الحكومة اليمنية والميليشيات المحلية المدعومة بهجمات جوية أمريكية ودعم سعودي.
 
القاعدة في اليمن بزعامة أبو هريرة الريمي سوف تتبنى نهجا عسكريا وأمنيا أكثر تشددا في التعامل مع الخصوم والأعداء، ولن تتساهل مع الحاضنة الشعبية، وسوف تتخذ احتياطات أشد صرامة عل صعيد الهيكل التنظيمي، إذ يخوض التنظيم في اليمن، حرباً استخبارية تجسسية مع أجهزة الاستخبارات اليمنية والأميركية والإقليمية، لا تقل أهمية وخطورة عن المواجهات المسلحة المباشرة وغير المباشرة، مع قوات الأمن والجيش وجماعة الحوثي.
 
فقد قام مقاتلي تنظيم القاعدة في اليمن بإعدام سعوديين سعوديين وهما المطيري والخالدي، اتهما بالتجسس لصالح الولايات المتحدة في 17 حزيران/ يونيو 2015، في مدينة المكلا بمحافظة حضرموت، وتسببا بمقتل عدد من القيادات البارزة، حيث تم تعليق جثثهم بطريقة مشابهة لما يقوم به تنظيم الدولة الاسلامية، ويأتي ذلك بعد يوم من إعلان التنظيم مقتل زعيمه الوحيشي في هجوم لطائرة أمريكية بدون طيار.
 
أحد العملاء الذي نفذ فيه الإعدام، والأكثر إثارة  للجدل هو جهادي سعودي يُدعى "مساعد الخويطر" من مدينة القصيم، وكنيته "حسام الخالدي" و"فارس القصيمي" وأيمن محمود"! واسمه الحقيقي: "مساعد الخالدي"، وقالوا بأنه كان مشرفاً على "مؤسسة البتار" الإعلامية التابعة لأنصار الدولة!
واسمه عندهم "همام الحميد"!. في حين قال أنصار الدولة بأنه حاول اختراقهم لكن فشل في ذلك، واستطاع النفير لليمن واختراق القاعدة، وقد تسبب بسلسلة من الاغتيالات في صفوف القاعدة في اليمن وجناحه أنصار الشريعة، وفي مقدمتهم الشيخ حارث النظاري في 31 كانون ثاني/ يناير 2015، وكان قتل معه أيضاً في الغارة: سعيد عوض بافرج، وعبد السميح ناصر الحداء، وعزام الحضرمي، ثم قتل المسؤول الشرعي الشيخ إبراهيم الربيش  14 نيسان/ إبريل 2015،  والشيخ نصر الأنس نصر الأنسي  في 8 أيار/ مايو 2015، وانتهى مسلسل الاغتيالات عبر هذا الجاسوس بمقتل القيادي مأمون حاتم في 11 أيار/ مايو 2015.
 
كانت الأشهر الثلاثة الأخيرة هي الأكثر خسارة للقاعدة في اليمن عبر عمليات قطع الرؤوس باغتيال كبار قادة التنظيم من خلال الطائرات بدون طيار الأمريكية، فخلال السنوات الماضية تم اغتيال عدد من قيادات القاعدة في اليمن، ومنهم: الشيخ أنور العولقي، والشيخ غازي الرويلي، والشيخان أبو هاجر وأبو خالد العولقيان، وسعود الدغاري، وعلي بالكرع، ومشعل الشدوخ، وأبو حبّة أمير أبين، وبسام الحضرمي، وحسين باداس، وأبو عمر الأزدي، وخولان الصنعاني، ونايف الأسد الصنعاني، وعادل حردبة، وصولا إلى الأشهر الأخيرة التي انتهت باغتيال الشيخ إبراهيم الربيش، والأنسي، وحارث النظاري، ومأمون حاتم، وتوجت بمقتل زعيم قاعدة اليمن أبو بصير ناصر الوحبشي.
 
يتمتع الوحيشي بأهمية كبيرة داخل شبكة القاعدة، وتشير سيرته إلى كفائة وقدرة كبيرة مكنته من إعادة بعث القاعدة في اليمن والحفاظ على استمرار الفرع السعودي وتوحيد الفرعبن، فهو ناصر عبد الكريم عبد الله الوحيشي الملقب بـ"أبو بصير"، أمير "تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب"، وثاني رجل قاعدي مطلوب للولايات المتحدة بعد أيمن الظواهري.
 
كما أنه يُعد أبرز المطلوبين لأجهزة الأمن اليمنية، ومحكوم عليه بالسجن لمدة 15 سنة، بعد إدانته من قبل القضاء اليمني بالانتماء إلى تنظيم "القاعدة"، وغادر منزله في محافظة البيضاء الشمالية خلال التسعينيات للذهاب إلى أفغانستان، حيث أصبح مع مرور الوقت سكرتيراً لأسامة بن لادن، وهو من مواليد قرية مرتعة في مدينة البيضاء الحدودية بين جنوب اليمن والشمال، وكان في أفغانستان إبان هجمات 11 سبتمبر 2001، وبعد الغزو الأمريكي لأفغانستان دخل إيران حيث اعتقل هناك.
 
وأعيد الوحيشي إلى اليمن في جزء من اتفاقية تسليم مع إيران في تشرين الثاني/ نوفمبر 2003، وجرى إيداعه السجن في صنعاء، ويقول في أحد رسائله أنه مكث "في السجن ثلاث سنوات من دون تهمة، سوى أنني ذهبت إلى أفغانستان وشرفني الله وكنت مرافقاً مع الشيخ أسامة بن لادن، وأمراء الجهاد".
 
تسلم الوحيشي قيادة تنظيم القاعدة في اليمن بعد أبو علي الحارثي، الذي قتل بغارة جوية أميركية في تشرين الثاني/ نوفمبر  2002، وجرى تعيينه أميراً للتنظيم في السجن عام 2004، وتمكن ممع مجموعة الــ22 في في شباط/ فبراير 2006، من الفرار من السجن،  وشكل الهروب من السجن معلماً لبداية المرحلة الجديدة في حياة تنظيم "القاعدة"، في اليمن الذي تولى الوحيشي قيادته بمساعدة قاسم الريمي، الذي فرّ معه، وبرفقة هذا المساعد والصديق الشخصي، الذي يثق به، أي الريمي الملقب بـ"أبو هريرة الصنعاني"..
 
أعاد الوحيشي بناء التنظيم كلياً، وأعلن  رسمياً تعيينه قائداً لـ"القاعدة" في اليمن في حزيران/ يونيو 2007، وتمكن خلال ثلاثة أعوام من  إعادة إحياء "القاعدة" في اليمن، والانتشار في السعودية ومناطق عديدة في إفريقيا وصولا لأوروبا، ووحدها تحت قيادته، بعد اندماج الفرعين اليمني والسعودي في كانون ثاني/ يناير 2009، وتنصيب السعودي أبو سفيان سعيد الشهري نائبا للوحيشي، والذي قتل لاحقا بهجمات طائرة بدون طيار، واحتفاظ الريمي بمنصب القائد العسكري، حيث انطلق التنظيم نحو عمليات نوعية، مثل تلك التي استهدفت السفارة الأميركية في 17 سبتمبر/ أيلول 2008.
 
وفي آب/ أغسطس 2009 تمكن السعودي إبراهيم العسيري من صنع عبوة ناسفة يصعب اكتشافها حال اخفائها في الملابس أو ربما حتى داخل جسده، وفي كانون الأول/ ديسمبر عام 2009، صنع إبراهيم العسيري عبوة ناسفة مبتكرة للنيجيري عمر فاروق عبد المطلب، والذي استطاع السفر من أوروبا إلى ديترويت بعد أن خبأ العبوة الناسفة في ملابسه الداخلية، وسط إخفاق شديد لأجهزة الاستخبارات والأمن في الكشف عن العبوة التي لم تنفجر، ونفذ محاولة الاغتيال الفاشلة لوزير الداخلية السعودي السابق (ولي العهد الحالي) الأمير محمد بن نايف في 27 أغسطس/آب 2009، وعمل التنظيم في عام 2010، على تكرار العملية وتهريب قنابل داخل طرد لمحبرات طابعات حواسب إلى أمريكا وأوروبا كادت أن تنجح، كما جاء إغلاق السفارات الأمريكية في جميع أنحاء الشرق الأوسط في رمضان الماضي بسبب تهديدات من التنظيم ليبرهن على أنه لا يزال يتمتع بالمرونة والقدرة على التكيّف والتأثير.
 
ويعود آخر ظهور للوحيشي في شريط فيديو من خلال الإصدار المرئي لمؤسسة "الملاحم" وهي الذراع الإعلامي لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب بتاريخ 30 آذار/ مارس 2014 تحت عنوان "أول الغيث"، والذي شكل صدمة حقيقية للولايات المتحدة، حيث ظهر زعيم التنظيم ناصر الوحيشي مطمئنا تماما دون الخشية من حدوث هجمات لطائرات بدون طيار، وهو يلقي خطابا أمام أكثر من 100 من أعضاء التنظيم خلال الاحتفال بعملية فرار 29 من عناصره  تم تحريرهم بعملية مبتكرة ومعقدة من السجن المركزي في صنعاء بتاريخ 13 شباط/ فبراير 2013، الأمر إلى 13 شباط/ فبراير 2015، وهو يلقي خطاباً في مجموعة من التنظيم فرت حديثاً من سجن الأمن في صنعاء.
 
أحد أهم التحديات التي واجهت القاعدة في جزيرة العرب مسألة الاختراق عبر العملاء والجواسيس، وعلى رغم التكتم الشديد على الحرب الاستخباراتية، إلا أن هذه حرب الجواسيس تفاقمت بداية 2012، حيث تمكن التنظيم من تفكيك خلايا تجسسية تعمل في أوساط مقاتليه لمصلحة أجهزة الاستخبارات اليمنية والأميركية، وألقى القبض على أكثر من 50 عميلاً، وكان القائد العسكري للتنظيم أبو هريرة قاسم الريمي، هو الذي أشـرف على تأسيـس الـجهاز الأمـني للتنظـيم، وبرعـاية مباشرة من الأمير أبو بصير ناصر عبدالكريم الوحيشي.
 
خلاصة القول، إن اغتيال أبو بصير ناصر الوحيشي وتعيين الريمي قائدا لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، سوف يدفع التنظيم إلى نهج أكثر تصلبا على الصعيد الإيديولوجي، وأشد تماسما وحذرا على الصعيد التنظيمي الهيكلي، وربما يتقارب مع تنظيم الدولة الإسلامية، أو يسير على خطاه ليصبح أكثر خطورة.
 
فالقائد الجديد أبو هريرة قاسم الريمي الذي تولى سابقا منصب القائد العسكري، وعمل على تأسيس الجهاز الأمني، أظهر منذ توليه عدم التهاون مع العملاء والجواسيس، ونفذ عمليات تنكيل مشهدية في مدينة المكلا في محافظة حضرموت، وستكون أولوية التنظيم خلال الأشهر القادمة تطهير صفوف التنظيم من العناصر الغير موثوقة، وتثبيت السيطرة العسكرية المكانية دون التهاون مع الحواضن الشعبية، وتوجيه ضربات انتقامية ضد المصالح الأمريكية والغربية، ونقل المعركة لاحقا إلى السعودية.
 
*المصدر: عربي٢١

Total time: 0.0864